فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {نعَمَهُ} قرأ نافعٌ وأبو عمروٍ وحفص {نعَمَه} جمعَ نعْمة مضافًا لهاء الضمير، ف {ظاهرةً} حالٌ منها. والباقون {نعْمةً} بسكون العين، وتنوين تاء التأنيث، اسمَ جنسٍ يُراد به الجمعُ ف {ظاهرة} نعتٌ لها. وقرأ ابنُ عباس ويحيى بن عمارة {وأَصْبَغَ} بإبدال السين صادًا. وهي لغةُ كلبٍ يفعلون ذلك مع الغين والخاء والقاف. وتقدَّم نظيرُ هذه الجمل كلّها في البقرة، والكلامُ على {أَوَلَوْ} ونحوه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَاوَات وَمَا في الْأَرْض}.
أثبت في كل شيءٍ منها نَفْعًا لكم، فالسماء لتكونَ لكم سقفًا، والأرض لتكون لكم فراشًا، والشمس لتكون لكم سراجًا، والقمر لتعلموا به عدد السنين والحساب، والنجوم لتهتدوا بها.
{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نعَمَهُ ظَاهرَةً وَبَاطنَةً} الإسباغُ ما يُفْضُلُ عن قدرة الحاجة ولا تحتاج معه إلى الزيادة.
قوله: {نعَمَهُ ظَاهرَةً وَبَاطنَةً} تكلموا فيه فأكثروا. فالظاهرةُ وجودُ النعمة، والباطنةُ شهودُ المنعم. والظاهرةُ الدنيويةُ، والباطنةُ الدينية. والظاهرة حُسْنُ الخَلْق، والباطنة حُسْنُ الخُلُق. الظاهرةُ نَفْس بلا زَلّة، والباطنةُ قلبٌ بلا غفلة. الظاهرةُ العطاء، والباطنة الرضاء. الظاهرة في الأموال ونمائها، والباطنة في الأحوال وصفائها. الظاهرةُ النعمةُ، والباطنةُ العصمةُ. الظاهرةُ توفيقُ الطاعات، والباطنةُ قبولُها. الظاهرة تسوية الخَلْق، والباطنة تصفية الخُلُق. الظاهرة صحبة الصالحين، والباطن حفْظُ حُرْمَتهم. الظاهرةُ الزهدُ في الدنيا، والباطنةُ الاكتفاء بالمولى من الدنيا والعقبى. الظهارة الزهد، والباطنةُ الوَجْدُ. الظاهرة توفيق المجاهدة والباطنة تحقيقْ المشاهدة. الظاهرة وظائف النَّفْس، والباطنة لطائف القلب. الظاهرةُ اشتغالُكَ بنَفْسك عن الخَلْق، والباطنةُ اشتغالُك بربّك عن نَفْسك. الظاهرة طَلَبَهُ، الباطنةُ وجوده. الظاهرةُ أَنْ تَصلٍ إليه، الباطنة أن تبقى معه.
{وَإذَا قيلَ لَهُمُ اتَّبعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْه آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إلَى عَذَاب السَّعير (21)}.
لم يتخطوا منهم ولا من أمثالهم، ولم يهتدوا إلى مُحَوّل أحوالهم، فأَمَّا منْ سَمَتْ نَفْسُه، وخلص في الله قَصْدُه فقد استمسك بالعروة الوثقى، وسَلَكَ المحجَّةَ المُثْلَى. اهـ.

.تفسير الآيات (22- 26):

قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقَى وَإلَى اللَّه عَاقبَةُ الْأُمُور (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُمْ بمَا عَملُوا إنَّ اللَّهَ عَليمٌ بذَات الصُّدُور (23) نُمَتّعُهُمْ قَليلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلَى عَذَابٍ غَليظٍ (24) وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) للَّه مَا في السَّمَاوَات وَالْأَرْض إنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنيُّ الْحَميدُ (26)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: فمن جادل في الله فلا متمسك له، عطف عليه قوله في شرح حال أضدادهم: {ومن يسلم} أي في الحال أو الاستقبال {وجهه} أي قصده وتوجهه وذاته كلها.
ولما كان مقصود السورة إثبات الحكمة، عدى الفعل ب إلى تنبيهًا على إتقان الطريق بالوسائط من النبي أو الشيخ وحسن الاسترشاد في ذلك، فقال معلقًا بما تقديره: ساترًا وواصلًا {إلى الله} الذي له صفات الكمال، فلم يبق لنفسه أمر أصلًا، فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه: {وهو} أي والحال أنه {محسن} أي مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره فهو دائمًا في حال الشهود {فقد استمسك} أي أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوة في بادئه الأمور لترقية نفسه من حضيضها إلى أوج الروح على أيدي المسلكين الذين اختارهم لدينه، العارفين بأخطار السير وعوائق الطريق {بالعروة الوثقى} التي هي أوثق ما يتمسك به فلا سقوط له أصلًا، فليسررك شكره فإن ربه يعليه إلى كل مراد ما دام متمسكًا بها تمثيلًا لحال هذا السائر بحال من سقط في بئر، أو أراد أن يرقى جبلًا، فادعى له صاحبه حبلًا ذا عرى فأخذ بأوثقها، فهو يعلو به إذا جره صديقه.
وهو قادر على جره لا محالة من غير انفصام، لأن متمسكه في غاية الإحكام.
ولما كان الكل صائرين إليه، رافدين عليه: من استمسك بالأوثق، ومن استمسك بالأوهى، ومن لم يتمسك بشيء، إلا أن الأول صائر مع السلامة، وغيره مع العطب، قال مظهرًا تعظيمًا للأمر ولئلا يقيد بحيثية عاطفًا على ما تقديره: فيصير إلى الله سالمًا، فإلى الله عاقبته لا محال: {وإلى الله} أي الملك الأعظم وحده تصير {عاقبة الأمور} أي كما أنه كانت منه بادئتها، وإنما خص العاقبة لأنهم مقرون بالبادئة.
ولا ذكر المسلم ذكر الكافر فقال: {ومن كفر} أي ستر ما أداه إليه عقله من أن الله لا شريك له، وأنه لا قدرة لأحد سواه، ولم يسلم وجهه إليه، فتكبر على الدعاة وأبى أن ينقاد لهم، اتباعًا لما قاده إليه الهوى.
بأن جعل لنفسه اختيارًا وعملًا فعل القوي القادر، فقد ألقى نفسه في كل هلكة لكونه لم يتمسك شيء {فلا يحزنك} أي يهمك ويوجعك، وأفرد الضمير باعتبار لفظ من لإرادة التنصيص على كل فرد فقال: {كفره} كائنًا من كان فإنه لم يَفُتك شيء فيه خير ولا معجز لنا ليحزنك، ولا تبعة عليك بسببه، وفي التعبير هنا بالماضي وفي الأول بالمضارع بشارة بدخول كثير في هذا الدين، وأنهم لا يرتدون بعد إسلامهم، وترغيب في الإسلام لكل من كان خارجًا عنه، فالآية من الاحتباك: ذكر الحزن ثانيًا دليلًا على حذف ضده أولًا، وذكر الاستسماك أولًا دليلًا على حذف ضده ثانيًا.
ولما كان الحزن بمعنى الهم، حسن التعليل بقوله التفاتًا إلى مظهر العظمة التي هذا من أخفى مواضعها، وجمع لأن الإحاطة بالجمع أدل على العظمة: {إلينا} أي خاصة بما لنا من العظمة التي لا تثبت لها الجبال {مرجعهم} أي رجوعهم وزمانه ومكانه أي معنى في الدنيا وحسًا يوم الحساب، لا إلى غيرنا، ولما بين أنهم في قبضته، وأنه لابد من بعثهم، بين أن السبب في ذلك حسابهم لتظهر الحكمة فقال: {فننبئهم} بسبب إحاطتنا بأمرهم وعقب رجوعهم {بما عملوا} أي ونجازيهم عليه إن أردنا.
ولما كان معنى التضعيف: نفعل معهم فعل منقب عن الأمور مفتش على جليها وخفيها، جليلها ودقيقها، فلا نذر شيئًا منها، علله بقوله معبرًا بالاسم الأعظم المفهم للعظمة وغيرها من صفات الكمال التي من أعظمها العلم، لفتًا للكلام عن العظمة التي لا تدل على غيرها إلا باللزوم، مؤكدًا لإنكارهم شمول علمه {إن الله عليم} أي محيط العلم بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال {بذات الصدور} أي بالأعمال التي هي صاحبتها، ومضمرة ومودعة فيها، فناشئة عنها ومن قبل أن تبرز إلى الوجود، فكيف بذلك بعد عملها.
ولما تشوف المسلم إلى إهلاك من هذا شأنه وإلى العلم بمدة ذلك، وكان من طبع الإنسان العجلة، أجاب من يستعجل بقوله عائدًا إلى مظهر العظمة التي يتقاضاها إذلال العدو وإعزاز الولي: {نمتعهم قليلًا} أي من الزمان ومن الحظوظ وإن جل ذلك عند من لا علم له، فلا تشغلوا أنفسكم بالاستعجال عليهم فإن كل آت قريب.
ولما كان إلجاء المتجبرين إلى العذاب امرًا مستبعدًا، أشار بأداة البعد إلى ما يحصل عنده من صفات الجلال، التي تذل الرجال، وتدك الجبال، وفيه أيضًا إشارة إلى استطالة المحسنين من تمتيعهم وإن كان قليلًا في الواقع، أو عند الله فقال: {ثم نضطرهم} أي نأخذهم اخذًا لا يقدرون على الانفكاك عنه بنوع حيلة، وأشار إلى طول إذلالهم في مدة السوق بحرف الغاية، فكان المعنى: فنصيرّهم بذلك الأخذ {إلى عذاب غليظ} أي شديد ثقيل، لا ينقطع عنهم أصلًا ولا يجدون لهم منه مخلصًا من جهة من جهاته، فكأنه في شدته وثقله جرم غليظ جدًا إذا برك على شيء لا يقدر على الخلاص منه.
ولما كان من أعجب العجب مجادلتهم مع إقرارهم بما يلزمهم به قطعًا التسليم في أنه الواحد لا شريك له وأن له جميع صفات الكمال فله الحمد كله، قال: {ولئن} أي يجادلون أو يقولون: بل نتبع آباءنا والحال أنهم أن {سألتهم من خلق السماوات} بأسرها {والأرض} وجميع ما فيها {ليقولن} ولما كان الأنسب للحكمة التي هي مطلع السورة الاقتصار على محل الحاجة، لم يزد هنا على المسند إليه بخلاف الزخرف التي مبناها الإبانة، فقال لافتًا القول عن العظمة إلى أعظم منها فقال: {الله} أي المسمى بهذا الاسم الذي جمع مسماه بين الجلال والإكرام فقد أقروا بأن كل ما أشركوا به بعض خلقه ومصنوع من مصنوعاته.
ولما كانوا يعتقدون أن شركائهم تفعل لهم بعض الأفعال، فلذلك كانوا يرجونهم ويخافونهم، كما أن ذلك واضح في قصة عم أنس الصم وغيرها، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يعلمهم أنه لا خلق لغيره ولا أمر، بل هو مبدع كل شيء في السماوات والأرض كما أبدعهما، وأن من جملة ذلك مما يستحق به الحمد سبحانه قهرهم على تصديقه صلى الله عليه السلام بمثل هذا الإقرار وهم في غاية التكذيب، فقال مستأنفًا: {قل الحمد} أي الإحاطة بجميع أوصاف الكمال {لله} أي الذي له الإحاطة الشاملة الكاملة من غير تقييد بخلق الخافقين ولا غيره الأمر أعظم من مقالة قائل كما أحاط بما تعلمونه من خلق السماوات والأرض، فهو فاعل الإفعال كلها، كما أنه خالق الذوات كلها، ولا شريك له في شيء من الأمر، كما أنه لا شريك له في شيء من الخلق.
ولما كانوا يظنون أن أصنامهم تصنع شيئًا كما قالت امرأة ذي النور الدوسي رضي الله عنه: هل يخشى على الصبية من ذي الشرى، وكما قال قوم ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه لما سب آلهتهم: اتق الجذام اتق البرص، وكما قال سادن العزى، وكما قالت ثقيف في طاغيتهم، حتى أنهم قالوا عندما سويت بالأرض، والله ليغضبن الأساس، حتى حمل ذلك المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على أن حفر الأساس، وكانوا إذا مستهم الضراء لاسيما في البحر تبرؤوا منها، وأسندوا الأمر إلى من هو له كما هو مضمون التوحيد، فكان ربما قال قائل استنادًا إلى ذلك: إنهم ليعلمون ما أثبت بالتحميد، قال: {بل أكثرهم لا يعلمون} أي إن الله هو المنفرد بكل شيء كما أنه تفرد بخلق السماوات والأرض، وأنه لا يكون شيء، إلا بإذنه لأنهم لا يعملون بما يعلمون من ذلك، وعلم لا يعمل به عدم، بل العدم خير منه، وكان القليل هم المقتصدون عند النجاة من الشدة كما سيأتي آنفًا، أو يكون المعنى أنه لا علم لهم أصلًا إذ لو كان لهم علم لنفعهم في علمهم بالله، أو في أنهم لا يقرون بتفرده سبحانه بالخلق والرزق، فيكون ذلك موجبًا لتناقضهم وملزمًا لهم بالإقرار بصدقك غي الحكم بوحدانيته على الإطلاق.
ولما أثبت لنفسه سبحانه الإحاطة بأوصاف الكمال، شرع يستدل على ذلك، فقال مبينًا أن ما أخبر أنه صنعه فهو له: {لله} أي الملك الأعظم المحيط بجميع أوصاف الكمال خاصة دون غيره {ما في السماوات} كلها.
ولما تحرر بما تقدم أنهم عالمون مقرون بما يلزم عنه وحدانيته، لم يؤكد بإعادة {ما} والجار، بل قال: {والأرض} أي كلها كما كانتا مما صنعه، فلا يصح أن يكون شيء من ذلك له شريكًا.
ولما ثبت ذلك أنتج قطعًا قوله: {إن الله} أي الملك الأعظم {هو} أو وحده، وأكد لأن ادعائهم الشريك يتضمن إنكار غناه، ولذلك أظهر موضع الإضمار إشارة إلى أن كل ما وصف به فهو ثابت له مطلقًا من غير تقييد بحيثيته {الغني} مطلقًا، لأن جميع الأشياء له ومحتاجة إليه، وليس محتاجًا إلى شيء أصلًا.
ولما كان الغني قد لا يوجب الحمد لله: {الحميد} أي المستحق لجميع المحامد، لأنه المنعم على الإطلاق، المحمود بكل لسان ألسنة الأحوال والأقوال، ولو كان نطقها ذمًا فهو حمد من حيث إنه هو الذي أنطقها، ومن قيد الخرس أطلقها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله وَهُوَ مُحْسنٌ فَقَد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور}.
لما بين حال المشرك والمجادل في الله بين حال المسلم المستسلم لأمر الله فقوله: {وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} إشارة إلى الإيمان وقوله: {وَهُوَ مُحْسنٌ} إشارة إلى العمل الصالح فتكون الآية في معنى قوله تعالى: {مَنْ ءَامَنَ وَعَملَ صالحا} [الكهف: 88] وقوله: {فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} أي تمسك بحبل لا انقطاع له وترقى بسببه إلى أعلى المقامات وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال ههنا: {وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} وقال في سورة البقرة (112): {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه} فعدى هاهنا بإلى وهناك باللام، قال الزمخشري معنى قوله: {أَسْلَمَ وجههُ للَّه} أي جعل نفسه لله سالمًا أي خالصًا والوجه بمعنى النفس والذات، ومعنى قوله: {يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} يسلم نفسه إلى الله كما يسلم واحد متاعًا إلى غيره ولم يزد على هذا، ويمكن أن يزاد عليه ويقال من أسلم لله أعلى درجة ممن يسلم إلى الله، لأن إلى للغاية واللام للاختصاص، يقول القائل أسلمت وجهي إليك أي توجهت نحوك وينبىء هذا عن عدم الوصول لأن التوجه إلى الشيء قبل الوصول وقوله أسلمت وجهي لك يفيد الاختصاص ولا ينبىء عن الغاية التي تدل على المسافة وقطعها للوصول، إذا علم هذا فنقول في البقرة قالت اليهود والنصارى: {لَن يَدْخُلَ الجنة إلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} فقال الله ردًا عليهم: {تلْكَ أَمَانيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا برهانكم} [البقرة: 111] ثم بين فساد قولهم بقوله تعالى: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه} [البقرة: 112] أي أنتم مع أنكم تتركون الله للدنيا وتولون عنه للباطل وتشترون بآياته ثمنًا قليلًا تدخلون النار ومن كان بكليته لله لا يدخلها، هذا كلام باطل فأورد عليهم من أسلم لله ولا شك أن النقض بالصورة التي هي ألزم أولى فأورد عليهم المخلص الذي ليس له أمر إلا الله وقال: أنتم تدخلون الجنة وهذا لا يدخلها، ثم بين كذبهم وقال: بلى وبين أن له فوق الجنة درجة وهي العندية بقوله: {فَلَهُ أَجْرُهُ عندَ رَبّه} وأما هاهنا أراد وعد المحسن بالثواب والوصول إلى الدرجة العالية فوعد من هو دونه ليدخل فيه من هو فوقه بالطريق الأولى ويعم الوعد وهذا من الفوائد الجليلة.